الملتقى الثاني للمجلس الأوراسي للفتوى

البيان الختامي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين، وبعد؛

إن المجلس الأوراسي للفتوى عقد ملتقاه الثاني ما بين 27-28 ربيع الأول 1439ه الموافق 16-17 ديسمبر 2017 م في إستانبول. اشترك فيه أعضاء المجلس الأوراسي للفتوى.

اجتمع المجلس بالمحورين:

المحور الأول: مناهج الإفتاء في الدول الأوراسية.

والمحور الثاني: بعض القضايا المعاصرة الطبية.

قبل فتح المناقشات أعلن المجلس موقفه من الأحداث الراهنة المتعلقة بالقدس الشريف واستنكر محاولة تغيير الوضع القديم للقدس وأيّد أحقية الفلسطينين في هذه البلدة المقدسة ودعا جميع الدول الإسلامية إلى الحفاظ على الهوية الإسلامية لهذه البلدة المباركة التي فيها المسجد الأقصى وهو القبلة الأولى للمسلمين.

وقرر المجلس بعد مناقشات استغرقت يومين ما يلي:

1. بعد عرض مناهج الإفتاء المتبعة فى البلدان المشاركة من قبل الأعضاء يؤكد المجلس أن منهجه في الإفتاء يتمثل في أساس يعتمد بجانب المعنى الظاهر للقرآن والسنة النبوية على العلل والحكم ومقاصد الشريعة بشكل شمولي ويرى الاستفادة من التراث الفقهي ضروريا، ويؤكد أيضا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحاجات العصرية والعادات المحلية في إيجاد الحلول المناسبة.

2. إن المجلس يتبنى أسلوبا خاليا عن صياغة تؤدي إلى التفرقة والنزاع في المجتمع الإسلامي.

3. ومن المهم بالنسبة إلى انسجام الحياة العملية الدينية إصدارُ الفتوى على أصول منضبطة بشكل مستمر تؤمن الاستقرار.

4. يرى المجلس أن محافظةَ الدول الأوراسية على التراث المذهبي المعمول به عبر التاريخ أمرٌ مهم.

5. أكد المجلس على أهمية كون مجلس الفتوى للدول الأوراسية مرجعا فعّالا ومؤثرا من خلال تبنيه منهجا معتدلا ومتوسطا ومقررا للوصول إلى حلول ونتائج مشتركة بالاستفادة من تراكمها العلمي لا سيما في القضايا المستجدة.

6. نوقش في الإجتماع بعض القضايا الطبية وتم الإتفاق عليها وعلى إرسال هذه الفتاوى إلى مجالس الإفتاء للدول المعنية من قِبل ممثل هذه الدول.

1- ما حكم الجنين من المنظور الفقهي؟

إن الجنين باعتباره كيانا بيولوجيا يأخذ أسماء مختلفة وهي: zigot، و embriyo، و fetus بحسب المراحل التي مرت بها من بداية التلقيح إلى الولادة. فإن zigot التي تكوّنت من تلقيح حيوان منوي صادر من الذكر بويضة المرأة تتمسك بالرحم خلال أسبوع تقريبا، وإذا مرت على zigot سبعة أيام تسمىembriyo ، ومرحلة الحمل التي تستغرق ثمانية أسابيع الأولى تسمى المرحلة الأمبريوية، وبعد الأسبوع الثامن يأخذ الجنين اسم fetus. ومن هذه المرحلة إلى تمام الولادة تسمى هذه الفترة بمرحلة fetal.

أما في الفقه الإسلامي فيطلق اسم الجنين على الولد الكائن في رحم المرأة. ولكنه يعبر بحسب المراحل التي مرت بها في الرحم بأسماء مختلفة منها: الجنين مستبين الخلقة -إذا تشكل بعض أعضائه- وغير مستبين الخلقة قبل تشكل أعضائه. وقد اشترط معظم الفقهاء القدامى لإعطاء حكم الجنين بالكيان الموجود في الرحم أن يكون هذا الكيان البيولوجي مستبين الخلقة وذلك بسبب رغبتهم في التأكد على كون الكتلة المتشكلة في الرحم جنينا بحسب إمكانياتهم الموجودة حينئذ.

وكما أثبتت المعلومات الطبية الدقيقة اليوم أن embriyo التي تكونت باندماج نطفتي الذكر والمرأة هو حي محتمل بكونه إنسانا، سواء استبان بعض خلقه أو لم يستبن، وسواء تم التلقيح في الرحم أو في مجال المختبر، ولذلك فإن له حق الحياة.

2- هل يجوز تجميد البويضة؟ [1]

فقد مكَّنت التطورات الملحوظة في مجال التكنولوجيا الطبية الحديثة على إبقاء البويضة سنوات طويلة من خلال تجميدها بحيث يتم تجميد الخلية البيضية (oocyte) المأخوذة من مبيضة المرأة لتمكينها الإنجاب في السنوات المقبلة. يلجأ إلى مثل هذا الطريق لاستخدامها في تداوي السرطان، واحتمال تقلل البيضة في الرحم الذي يقلل فرص الحمل في المستقبل، والإياس المبكر، وإجراء العمليات الجراحية التي يلزم فيها استئصال المبيضة.

وفي هذه الحالات التي تعتبر حالات ضرورية يجوز تجميد الخلية البيضية واستعمال هذه الخلية في المستقبل في تلقيحها بحيوان منوي بشرط أن يكون الطرفان زوجين، أي على قيد النكاح في حين عملية التلقيح.

ولكن يجب الأخذ بجميع التدابير اللازمة طبيا وقانونيا للمحافظة على النسل من خلال عدم السماح لانتقال الخلية البيضية المجمدة إلى الآخرين.

3- هل يجوز تلقيح بويضات متعددة (إنتاج embriyo أكثر من واحد) وتجميدها في التلقيح الصناعي؟ [2]

يجوز التلقيح الصناعي في حالات مرض الرجل أو المرأة وعدم حصول الإنجاب بشكل طبيعي وبطريقة معتادة، بشرط أن تكون النطفة والبويضة والرحم للزوجين، ولكن يجب الاقتصار عند تلقيح البويضات على العدد الكافي والمطلوب، والاجتنابُ عن تلقيح أكثر من العدد المطلوب وتجميدها.

4- هل يجوز في التلقيح الصناعي استخدام نطفة وبويضة ورحم من غير الزوجين؟ [3]

لا يجوز في التلقيح الصناعي استخدام نطفة أو بويضة أو رحم من غير الزوجين، وذلك بسبب اختلاط الأنساب وإخلال أمنية النسل والمبادئ المحرمية. وعلى هذا؛ فلا بد لجواز التلقيح الصناعي الاقتصارُ على الزوجين، وعدم إدخال طرف ثالث فيه، أي يجب أن تكون الرابطة الزوجية بين الطرفين قائمة في عملية طفل الأنابيب.

5- هل يجوز التبرع بالنطفة أو البويضة أو البويضة الملقحة (embriyo)وبيعها؟ [4]

يجوز التبرع بالعضو والأنسجة والخلية بشروط معينة، ولكن لا يجوز نقل أي خلية أو عضو يؤدي إلى نقل الخصائص الوراثية، وبناء على هذا لا يجوز نقل نطفة أو بويضة أو البويضة الملقحة (embriyo) إلى امرأة أجنبية.

ولا يجوز جعل أي عضو للإنسان أو خليته محلا للتجارة؛ لأن الإسلام يعتبر الإنسان كائنا مكرما ومحترما، ولذلك لا يجوز التبرع بالنطفة أو البويضة أو البويضة الملقحة كما لا يجوز بيعها.

6- هل يجوز الفحص الوراثي على البويضة الملقحة (embriyo) قبل الزرع في التلقيح الصناعي؟ [5]

عملية تشخيص الوراثي قبل الزرع (preimplantation genetic diagnosis) هي عملية طبية تتم على البويضة الملقحة(embriyo) في التلقيح الصناعي قبل غرسه في الرحم بالفحص الوراثي الجيني للوصول إلى تشخيص أمراض جينية. وقد مكَّنت التطورات في مجال الهندسة الجينية في تشخيص أسباب الأمراض الوراثية وإيجادِ طرق مختلفة في التداوي بحيث يتم أخذ بعض الخلايا من البويضة الملحقة الحاصلة بطريق التلقيح الصناعي ثم تفحص ويتم التشخيص عليها. وفي النتيجة تطرح البويضات الملقحة (embriyo) المصابة بأمراض جانبا وتُنقَل ما كانت سالمة منها إلى رحم الأم ويتم بذلك إمكان الحصول على مولود سليم.

وعلى ذلك يجوز لمن يَعرف أن فيه مرضا وراثيا الالتجاءُ إلى التلقيح الصناعي وإجراء عملية تشخيص الوراثي قبل الزرع (PTG) على البويضة الملقحة (embriyo) استنادا على قاعدتي "الضرورات تبيح المحظورات" و"الضرورات تُقدَّر بقدرها".

7- ما حكم إسقاط الجنين المشوه خِلقيا؟ [6]

فإن حفظ حياة الإنسان من الضروريات الدينية. وحق الحياة حق أعطاه الله من حين اندماج نطفة الذكر ببويضة المرأة وتلاحقهما. وليس لأحد بما فيهم الأبوان حق وصلاحية في إخلال هذا الحق. والقواعد الكلية والأحكام العامة في القرآن والسنة لا تسمح بإنهاء حياة الجنين في بطن أمه بدون أن يكون هناك مبرر معتبر ومشروع.

وعلى هذا لا يجوز إسقاط الجنين ولو مشوها خلقيا إلا إذا كان الحمل يشكل خطراً محققاً على حياة الأم.

8- ما حكم الاستفادة من الخلايا الجذعية الجنينية (embryonic stem cell) في الدراسات العلمية؟ [7]

إن الإسلام يشجع كل عمل فيه منفعة وخير للفرد والمجتمع، إلا أنه لا يُقر أي عمل يؤدي إلى إخلال المبادئ المعنوية والأخلاقية ويؤدي إلى خطورة للبشرية؛ لأن الأعمال التي لا تقوم على مبادئ أخلاقية وقيم دينية لا تأتي للإنسانية بخير.

وبناء على هذا فإن الإسلام مع تشجيعه وتأييده الدراسات المتعلقة بالهندسة الجينية لكنه لا يقر الدراسات التي تؤدي إلى إفساد نسل الإنسان وميزان الطبيعة. وإن حياة الإنسان تبدأ بمجرد تلقيح البويضة بالحيوان المنوي؛ فيجب الحفاظ على حق الحياة للبويضة الملقحة ولذلك لا يجوز استخدام البويضة الملقحة للتجارب في المختبر. ولكن يجوز الاستفادة من الخلايا الجذعية المخرجة من نخاع العظم ونسيج الدهن (أي الخلايا الجذعية البالغة) من أجل التداوي.

9- هل يجوز الإجهاض قبل نفخ الروح؟ [8]

فإن القرآن الكريم قد تحدث عن نفخ الروح للإنسان (سورة الحجر: 29؛ سورة الأنبياء: 91؛ سورة السجدة: 9) ولكنه لم يبين بيانا واضحا في أي مرحلة من مراحل الحياة يتم النفخ. فإن الآيات المتعلقة بالنفخ تُلفت النظر إلى قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان وإيجاده من العدم. فإنه تعالى بيّن بأن ماهية الروح لا تدرك بالكلية، فقال سبحانه: ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾ (سورة الإسراء: 85).

وقد ورد في الأحاديث النبوية [9] بعض المعلومات المتعلقة بنفخ الروح إلا أن هذه الروايات إذا قُومت بمجموعها يصعب القول في تحديد زمان نفخ الروح للجنين. ولا ينبغي أن يُستنبط من الأحاديث الواردة في سياق موضوع القدر أن لا قيمة للجنين قبل نفخ الروح أو جواز إنهاء حياته بشكل من الأشكال.

فإن القواعد الكلية والمبادئ العامة في القرآن والسنة تمنع إنهاء الحمل بدون عذر مجبر. فيجب اعتبار حرمة الجنين لكونه إنسانا بالقوة ولعدم إمكان تحديد نفخ الروح بالضبط، ولأن حفظ الحياة الذي هو أحد الضروريات الخمس التي أتت الشريعة بإيجادها وحفظها تبدأ من تلقيح الحيوان المنوي للذكر بويضة المرأة. ومن ذلك الحين لا يجوز إنهاء الحمل في حال من الأحوال إلا حفاظا على حياة الأم.

10- هل يجوز طرق الاستقصاء ما قبل الولادة

(prenatal diagnosis) في مرحلة الحمل؟

فهناك فحوص معتادة تتم في أثناء الحمل وفحوصٌ أخرى تجرى عند الاحتمال في وجود مرض وراثي أو حالةٍ غير طبيعية من خلال اختبارات مختلفة للوصول إلى تشخيص مشاكل في الجنين وعدمها. فهذا الفحص الذي يعرف في الطب باسم «طرق الاستقصاء ما قبل الولادة» (prenatal diagnosis) يساعد في تشخيص التشوهات في الجنين أو الخلل في نسيجه وفعالياته، ويمكِّن من التداوي المبكرة في بطن الأم أو بعد الولادة مباشرة.

فيجوز إجراء هذا الفحص وسائر الفحوصات والاختبارات الأخرى لتأمين العيش الصحي للجنين في الرحم وبعد الولادة بشرطِ ألا يؤدي إلى إضرار الجنين أو إسقاطه مباشرة أو بغير مباشرة .

11- هل يجوز إتلاف البويضات الملقحة(embryo) الزائدة في التلقيح الصناعي؟

فإن حفظ الحياة أحد الضروريات الخمس التي جاء الإسلام لإيجادها وحفظها، وإن حياة الإنسان تبدأ من حين تلقيح بويضة المرأة بالحيوان المنوي مطلقا، والبويضة الملقحة (embriyo) تَستحق الاحترام من ذلك الحين كشخص، ويجب الحفاظ عليها. وإتلاف البويضات الملقحة (embriyo) الزائدة في التلقيح الصناعي يعني إنهاء حياة البويضة الملقحة(embriyo) وهذا ما لا يقره الإسلام. وتجنبا عن هذا يجب الاقتصار في التلقيح على قدر ما يدرَج في رحم الأم. ومع ذلك لو تم تلقيح عدد زائد من البويضات الملقحة (embriyo) ينبغي تجميدها لاستفادة الزوجين منها في المستقبل بشرط قيام الزوجية والنكاح بينما، وفي حالة عدم إمكان ذلك يجوز توقيف التجميد احترازا عن استعمال الآخرين ضرورةً.

هل يجوز اختيار جنس الجنين في التلقيح الصناعي؟

وقد تمكن الطب في التلقيح الصناعي من تحديد جنس الجنين بطريق تنقية الحيوان المنوي أو بطريق عملية تشخيص الوراثي (preimplantation genetic diagnosis)

إلا أن هذا العمل يمكن أن يؤدي في المستقبل إلى المشاكل المتعلقة في التوازن بين الذكر والأنثى وإلى أضرار أخرى ما لم يكن في الحسبان في اليوم الحاضر. وإن الله تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والارض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور﴾ (سورة الشورى: 49).

وإن اختيار جنس الجنين بطريق تنقية يعني عدم القناعة بما قدر الله سبحانه وتعالى، ويمكن أن يؤدي إلى إخلال التوازن لجنس على حساب جنس آخر ولهذه المخاطر لا يجوز هذا العمل إلا إذا اقترحت هيئة طبية متشكلة من الأطباء الماهرين اختيار الجنس في احتمال وجود أمراض وراثي وفي هذه الحالة -التي تعتبر تدوايا- يجوز التحديد بطريق تنقية الحيوانات المنوية للذكر.

13- هل يجوز إنهاء حياة جنين في الحمل متعدد الأجنة (الحمل بأكثر من جنين)؟ [10]

فإن حفظ الحياة أحد الضروريات الخمس التي جاء الإسلام لإيجادها وحفظها، وإن حياة الإنسان تبدأ من حين تلقيح بويضة المرأة بالحيوان المنوي مطلقا وبعد هذه المرحلة لا يجوز إنهاء الحمل إلا إذا شكل خطرا محققا على حياة الأم.

وفي الحمل متعدد الأجنة إذا تيقن موت الأجنة الأخرى في حالة عدم تدخل في الجنين الذي لا يحتمل عيشه ينبغي الحفاظ على حياة الآخرين بإسقاط الجنين غير قابل للحياة. وأما إذا كان جميع الأجنة صحيحين ولم يمكن ترجيح أحدهم على الآخر فلا يجوز في هذه الحالة إسقاط أحدهم لحياة الآخر.

[1] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[2] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[3] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[4] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[5] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[6] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[7] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[8] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.

[9] صحيح البخاري، القدر، 1؛ صحيح مسلم، القدر، 1.

[10] تاريخ إصدار هذه الفتوى 4/12/2017.